غزّة ليســت قضيّة إنسانيّة
منجي باكير – كاتب صحفي
مـــا دأب الإعلام الغربيّ في الترويج له مكرا و
عدوانا و من بعده الإعلام العربي في أحسن ما فيه تبعيّةً و بلا تحفّظ أنّ ما يجري هذه الأيّام في غزّة كأنّما هو
قضيّة إنسانيّة بامتياز ، قضيّة موت و دم و قصف لأسواق و مدارس ، هكذا قضيّة
مفصولة عن سياقها ،، و هذا يقع قصدا و بسوء نيّة إمعانا في التضليل و تكريسا
لسياسة – تجزئة المجزّأ –
سياسة التجزئة التي بدأت منذ عقود من الزّمن
بأجندات فاسدة و مغرضة تعوّل كثيرا على عاطفة المواطن العربي الحادّة و خصوصا ميزة
النّسيان عنده ، ،،
فبعد أن كان في البدء القضيّة الأمّ ، قضية
فلسطين العربيّة المسلمة و التي اغتصبها الصّهاينة بمباركة الإنكليز و من عاضدهم ،
أصبح الحديث عن قيمة نسبيّة من الأرض للعرب و الباقي لإسرائيل ، ثمّ من بعدها
الحديث عن كنتونات و ما رافقها من معابر و الحائط العازل و أحزمة الأمان التي
يفرضها الكيان الغاصب ،،، و في كلّ مرّة تقتصر البيانات و التنديدات على واقع
الحال دون الرجوع إلى القضيّة الأمّ ، إلى
أن وصل الهمّ العربي يتحدّث في أقصى حالات التعاطف لديه عن فتح معبر أو تمرير
قافلة إغاثة أو السماح بالتنقّل للبضائع و الأشخاص لتضيع القضيّة الكبرى وسط كل هذه الترّهات ...!
كذلك الأمر هذه الأيّام و بنفس التوجّه الإعلامي
، الذي يصوّر ما يقع في غزّة على أنّه قضيّة إنسانيّة مفصولة ،، بينما واقع الأمر
أنّ غزّة هي أرض حرب بكلّ معانيها ، غزّة اليوم هي قلعة النّضال الذي تبرّأ منه
الكلّ .
غزّة هي قلعة النّضال و أرض الجهاد و محراب
المقاومة التي رفضت الخنوع و الذلّ و رفضت الهرولة إلى البيت الأبيض و لم تخضع
للإبتزازات و لم تسقطها الإغراءات و لا التهديدات و لا الإغتيالات بل توكّلت على
الله و لملمت ما تقدر عليه لتقف في وجه الإحتلال الغاصب ...
غزّة اليوم هي عنوان العزّة التي سطره و مازال
يسطره أبطال المقاومة برغم الفارق الكبير مع عتاد إسرائيل و لتشمخ طيلة الأسابيع
الفائتة نيابة عن كلّ الأمّة بشعوبها و حكّامها – و ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ
إلاّ بالقوّة -.
غزّة ليست قضيّة إنسانيّة ، غزّة ساحة حرب بين
غاصب محتلّ و مقاومين طلاّب حقّ مع شعب
متآزر متكاتف يسند ظهر هذه المقاومة برغم الجراحات و الدّماء و الموت و برغم
الخراب الذي تصبّه – تكنولوجيا – جيش الإحتلال الجبان .